دعاش

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دعاش

ثقافى إجتماعى


    رواية البحيره الفصل الرابع

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 29
    نقاط : 88
    تاريخ التسجيل : 04/04/2010

    رواية البحيره الفصل الرابع Empty رواية البحيره الفصل الرابع

    مُساهمة  Admin الإثنين أبريل 12, 2010 4:02 am

    التناقضات

    كان سالم يشارف اعوامه الأربعين، ويتمتع بشكل مقبول، وجسد رياضي، وشخصية ديناميكية استحوذت تماما على سارة. فهو متفتح، مطلع، ذو افق مفتوح، ثقة مطلقة بالنفس، مرح، وما زالت تكتشف الكثير من الأمور عنه، حيث بدا لها مختلفا جدا عن الرجال الأربعة الذين عاشت معهم، اشقاءها ووالدها، كذلك يختلف تماما عن نسيبها احمد، وتشعر بأنها ترى من خلاله عالماً آخر لا تعرفه.
    قالت لشقيقتها تسامرها :
    لم اكن ادري ان في البلاد شخصيات متفتحة اجتماعية، وبدون عقد ولايخجل من ذكر اسم خطيبته أوشقيقته، ولا يقول الأهل والرضيعة الى آخر هذه التعقيدات. انه ببساطة لا يخجل من نساء عائلته.. هل نظرت كيف كلمني ببساطة امام اخوتي غير عابئ بأن عبدالرحمن تعمد عدم ذكرنا أو الاشارة الينا مع اننا جالسات امام الرجل.
    تضحك وضحة جذلى وهي تشعر بأنه في النهاية وجدت اختها الخف الذي يطابقها واستراح بالها، واذا الأموات يحسون ستسعد امهما.
    ولكن هناك اشياء كانت لا ترتاح لها سارة تماما ويقلقها وجودها في سالم. ومنها علاقاته المفتوحة بشكل عجيب مع شخصيات مختلفة، لم تكن سارة تشعر بالرضا عنها او الارتياح لطريقة كسبها لمواردها. كذلك كلماته التي كانت تود أن تأخذها بحسن نية، ولكنها لا ترضيها عندما كان يقول لها أنه يحرص على سرعة زواجهما لانه يريد أن يفتخر بها في المجتمعات التي يرتادها داخل وخارج البلاد، وينتظر اليوم الذي ترافقه للحفلات وتبهر الناس بجمالها وتحضرها حيث تربطه علاقات عمل مع شركات اجنبية ويريد من زوجته ان تنافس الأجنبيات بتطورها. كان لا يعجب سارة منطقه، ولا تعتقد في قرارة نفسها بأنه يعني كلامه عندما انتقد حجابها، وقال لها بلهجة يقينية واثقة من نفسها :
    كل هذا سيصبح من الماضي، ستكونين شخصية اخرى.. وتابع بلهجة ودودة.. أنا لا اطعن في اناقتك ولكن لدي خبراء سيغيرونك بالكامل بعد ان تخرجي من محيطك المعقد. !
    لم تحاول ان تبوح لوضحة بمخاوفها اشفاقا عليها، وهي تراها تحلق بالسحاب فرحة بالخطبة، وتجهز ملابس بناتها لحفل الزفاف حيث ان سالم قال لها انه سيتولى الاعداد للحفلة، ولا يريد منها سوى الاستعداد حيث سيكون الزواج بعد ثمانية اشهر.
    كان سالم يفترض ضمنا بأنها مادامت تعمل في مجال مختلط، وسافرة الوجه، وتتعامل مع المراجعين، وترأس قسما مهما بمعنى انها مسؤولة مباشرة عن موظفين رجال تتعامل معهم وجها لوجه فان ذلك يعني تحررها، وتمدنها، وان حجابها مجرد اجراء شكلي لارضاء العادات والتقاليد ليس الا، ولا يعني التزاما منها واقتناعا ومبدأ.
    وحدث الاحتكاك الأكبر الذي تجاهله كلا منهما، مع انه بقي في الأعماق يتهرب كلاهما من مواجهة مكنوناته الحقيقية بعد ذلك لئلا يتأكدا من اختلافهما التام. لقد اتصل بها مساء يخبرها بوجود غداء عمل مع عميل اجنبي وزوجته نهار الغد، ويود حضورها ومشاركتها الغداء وذلك في فندق الشيراتون بعد دوام العمل. رحبت سارة بالدعوة للتعرف اكثر على خطيبها في مجال عمله. وعندما اتى السائق ليقلها الى البيت من العمل ظهرا توجهت مباشرة الى مطعم الحبارى، وتليفونات سالم تلاحقها مؤنبا اياها على التأخير مما يعطي انطباعا سيئا وخصوصا للتعرف على الناس لأول مرة.
    ومنذ وطأت قدماها المطعم بحثت بعينيها عن طاولة سالم حتى رأته قادما نحوها بسرعة، وقد لمحها داخلة حيث اختار ان يجلس في موقع يرى الداخلين والخارجين ترقبا لقدومها.
    وكانت كلماته التي يفترض أن تكون ترحيبية بها صدمة مفجعة لها، فقد قال بضيق وهو يحاول أن يسير بها خارج المطعم حتى لا يرونها ضيوفه :
    ما هذا الذي ترتدينه..؟؟
    ملابس.. ماذا ترى عباءة وحجاب.
    وهل هذه ملابس سيدة راقية..؟؟
    ماذا تقصد..؟؟ هذه ملابس الخروج..؟؟ لا ادري ماذا تتوقع اوتقصد..؟؟
    قال سالم بعصبية :
    كنت اتحدث معهم للتو عن اوضاع المرأة في البلاد وكنت احدثهم منذ قليل عن وجود طليعة من المثقفين لا تساير التخلف الموجود والذي يغلف البعض، وكنت اضرب لهم مثلا بك. موظفة في قطاع مختلط ومن الأوائل الذين عملت في مجالك، وفتحت بجرأتك المجال لغيرك من النساء، والآن تتولين مركزا قياديا في عملك.
    قاطعته سارة بضيق :
    وما دخل الثقافة في العباءة والحجاب..؟؟
    الا تفهمين..؟؟ ما هذه الأسمال التي ترتدينها كأنك ناطور في السوق مع هذا الجلباب..؟؟هل انت في مأتم حتى تلبسين اسود على اسود. ؟
    هل تراني لأول مرة..؟؟ هذه ملابسي التي عرفتني بها في العمل والتي اخرج بها الى الحياة العامة وقد اخترتها عن قناعة، وليس مجاراة كما تحب ان توحي بالعادات والتقاليد البالية. انني احس بالراحة فيها واضمن نظرة الاحترام التي اود ان ينظر بها الناس الي.
    ومن يجرؤ أن ينظر اليك بأي نظرة أخرى وانت مع خطيبك وغدا مع زوجك، وأنا اريدك ان تخلعي هذه الملابس الرثة و ترتدي ما تطرحه احدث بيوت الأزياء.
    لعلمك انني البس ما تطرحه الموضة ولكن في بيتي ومع اهلي وليس في الشارع. واذا كنت لا تبالي بنظرات الآخرين النهمة والمريضة فأنا ابالي.
    على العموم لن تدخلي لهم بهذه الملابس. ان هذا محرج بالنسبة لي، وسوف اعتذر لهم عن عدم قدرتك على مشاركتنا الغداء ربما في وقت آخر حتى نجد حلا لهذه الاشكالية.
    وبلعت سارة الاهانة حيث تم طردها للتو، ترفعا من مقابلة ضيوفه الأجانب خجلا منها لانها ارادت التمسك بحشمتها، وقالت بضيق :
    على العموم ليس لي انا ايضا نفس لمشاركتكم جلستكم بعد الذي سمعته منك. عن اذنك.
    وبينما انصرفت سارة وهي تغالب دمعة مقهورة من تصرفه، كان سالم يعود وقد رسم ابتسامة عريضة لضيوفه، ويطلب منهم البدأ في طلب الطعام حيث ان خطيبته فأجأها موقف طارىء في عملها عطلها آسفة عن المجيء على امل ان يلتقوا في وقت آخر قريبا.
    كان هذا الموقف قويا كفاية لكي يوضح الفرق بين الشخصيتين، ولكن قرارا كبيرا كالزواج لا يمكن ان تنفصم عراه لهذا السبب. انها رفضت ارتداء ملابس مزركشة قليلا، وتستبدل العباءة الجلباب بأخرى مفتوحة حتى تظهر البلوزة والتنورة او الفستان من تحتها، بينما بامكانها تغيير الحجاب بشيلة مطرزة او حتى تلبس حجابا ملونا على شكل وشاح.
    كانت تعلم بأن شقيقتها أو اهلها سيقولون لها ذلك، وتعلم اكثر بأن الموضوع ابعد من ذلك، ولكن سالم لم يدعها لافكارها فقد ارسل لها صباحا في جهة عملها باقة ورد جميلة استطاعت ان تنسيها قهر الأمس، وترسم ابتسامة وادعة على شفتيها، وتزهو أمام زملائها وهي تقول بخفر لكل من يسألها :
    انها من خطيبي..!!
    كان التناقض في معاملة سالم موظفا لخدمة اغراضه، وكانت ذات طيبة مشوبة بالسذاجة احيانا، ولا تفرق كثيرا في النوايا ما دام ظاهرها حسنا، ومن يأتيها خطوة كانت تسرع اليه خطوات لذلك نست تماما الموقف السابق، ولم تذكره حتى به ولم تكدره بالعتاب أواللوم.
    لا يعيب الرجل الا جيبه.. !! هكذا تقول العجائز وعلينا تصديق حكمتهن.. ! ويتابعن.. ويغيب الرجل ويطير كالعصفور ثم يعود لعشه هكذا يبررن خياناته. وعلى المرأة ان تكون تابعة لزوجها وتساير قناعاته مهما كانت متطرفة في اليمين اواليسار. سواء ان البسها خيمة، أو كما وصف سالم عباءتها بمعطف الخفير، فعليها الانقياد و الطاعة، وان استعرضها على ضيوفه ومعارفه عليها تأبط ذراعه والظهور في المجتمعات، وتدفن حقيقتها وقناعتها وشخصيتها. أي عندما تتزوج تسلم رباطها لزوجها ليقودها حيث ملته وبيئته. أي انها لا تكون بالمعنى المفهوم شريكة بل دمية يشكلها كما يرغب. ولم يتساءلن هل سيسأل الله زوجها عن ذنوبها يوم القيامة ويعفيها ويدينه، وقد ملكها العقل والتمييز وكرمها بالحكمة والتدبير..؟؟
    لم ترد سارة مناطحة سالم وتصيد الأخطاء له، ووضع القواعد لحياتهم المقبلة بشكل حاد وصدامي لا يحتمل المناقشة و منح الفرص. ودعت الأمور تأخذ مجراها ليعرفها وتعرفه لعلها تغير شيئا فيه وتصل الى تسويات تحفظ الحياة الموعودة بينهما. على صعيد آخر لم تنس سارة مهمتها في المؤسسة أو الواجب الملقى على عاتقها. لم تشعر بأنها اصبحت مخطوبة الآن وعليها التفرغ للحياة المقبلة، وخصوصا مع شخص تبدو حياته الاجتماعية ممتلئة حيث انه كثير الأسفار محاط بحياة اجتماعية صاخبة، منوعة بالحفلات والاجتماعات على شكل وجبات عمل.

    الحادي عشر
    الدوامة

    ما هذه القوة الغبية التي تمنعها من سؤاله اين سيذهب ومع من..؟؟ او لا تخرج اليوم من البيت..؟؟ او لا تأخير عن الساعة التاسعة مهما كانت الأسباب..؟؟
    لم تكن وضحة قوية او ناضجة كفاية او واثقة من الدور الذي تقوم به. كانت مهتزة وضعيفة وخائفة وقد التقط خالد هذا الإحساس وبدأ يستخدمه لصالحه أو ما اعتقد انه لصالحه ولم يكن كريما وشفوقا لكي يرمم عجزها ويداري خوفها كما تفعل معهم جميعا. كان يسكنه ابليس شيطاني يدفعه الى انتهاز الفرص واستغلالها غير آبه او مفكر بما يبذله الآخرون من جهد لمساعدته وحمايته. كان يسير بطرق الضياع، مصمما على ولوجه غير مدرك بخطورته، وعلى عينيه عصابة من الغفلة، وتحيط به شلة تحفر له اخدود الهاوية. لم يخش أباه لانه يعتمد على الصراخ وليس الفعل، وعلى الرغبة بالابتعاد عن المشاكل وليس المساهمة في تحملها.
    كان ذكاء خالد طامته الكبرى حيث استخدمه بشكل عكسي، وكانت طيبته الأغرب الى السذاجة وولاؤه لأصدقائه مفتاحين لاستغلاله دون أن يدري وحبسه في افخاخ الدمار. كان تهوره وجموحه قد ابعداه عن اقرانه، كان ينظر الى اولاد خاله بأنهم متخلفون جبناء، وكان يسمي رفقاء مدرسته الذين نشأ معهم ثم انفصل عنهم بأنهم عديمو الشخصية ذوو النظارات.. كناية عن انكبابهم على الدراسة كهدف اسمى في الحياة.
    كانت نظرته للكون ولنفسه واحلامه تخيفها، لانه يبالغ بهذه النظرة ويشتط به الخيال لدرجة آمنت بها انه ليس طبيعيا وان هناك قوى تسكنه وتشوش تفكيره.
    ويفرقون بين المرء وزوجه
    ومن شر حاسد اذا حسد
    ما هو التفسير العلمي للذي يجتاحه كالطوفان ويعذبه ويعذبها، ويجعله مضطربا لا يكاد يستقر على موضع ولا يدرك الحق من الباطل..؟؟ لم يقتصر سلوكه على مستواه الدراسي بل امتد الى الشغب، واثارة المشاكل، والاختلاط بالفاشلين وانتقاد الناجحين. واصبحت النماذج الدنيا في المجتمع يعتبرون مثله الأعلى بمعنى انه يتكلم عن ترك الدراسة ليعمل سائق سيارة وحاجباً وحارساً.
    آلمها ان يمسك ورقة وقلما بعد مجادلة ساخنة معها عن ضرورة تعليمه لبناء مستقبله، ويقسمها الى نصفين، النصف الأول المميزات التي سيجنيها ان اكمل تعليمه، والأخرى ان بحث له عن عمل وكانت له سيارته الخاصة !! كادت تجن وهي تقول له.. ستندم على قرار الدراسة ولكن بعد فوات الأوان. انني اتحسر على ذكائك وعقلك وحواسك الكاملة، وبنيتك القوية، ووضعك الاجتماعي الجيد، ماذا ينقصك لتبدده وتضيعه..؟؟ كيف تترك كل شيء وتبحث عن عمل..؟؟ لم لا ترى اقرانك..؟؟ لماذا لا تكون واحدا منهم..؟؟ ماذا حل بك..؟؟ وكيف اتصرف معك..؟؟
    هكذا افهمها.. سيكون في المدرسة لارضائهما ولكنه لن يدرس بالمفهوم الصحيح لانها ليست رغبته. ويجب ان يبحث عن عمل وهو لن يستحمل ازعاجهم وتعييرهم له وتهديدهم بحرمانه من المصروف.
    كان هذا ما يخيفها ترك المنزل والتسرب من الدراسة والبحث عن عمل وتطويه الدروب ولا تعد تعرف عنه شيئا..!! على الأقل تعيش مع النيران التي تحرق اصابعها ولا يحترق كيانها كله.
    حاولت ان تعمل صفقة معه.. كان في المرحلة الثانوية العامة وأصر أن تكون له سيارته على وعد الاهتمام بالدراسة. وقد استحملت غضب والده وعدم رضاه عندما اصرت على ضرورة توفير السيارة كحل لتمرده، وعزوفه عن الدراسة، وأخذ يصبحها ويمسيها بتذمره من افسادها اياه ،وقد ساهمت السيارة اكثر واكثر في غيابه واستقلاليته عنهم.
    الآن.. تفكر وتفكر بدهشة. لماذا يكتفي احمد بالصراخ والصراخ فقط. ؟ لم لم يتدخل بالفعل، لم لم يقم بعمل ما، سواء ايجابيا اوسلبيا، على حركة، فعل، أي شيء، لم ترك عليها تنفيذ وادارة كل الأمور، وحرمها حتى من الدعم والمشاركة والمؤازرة..؟؟
    لم كانوا يعملون كفريقين متناقضين يحاول كل منهم تهميش الآخر كحالته معها، والتقليل من حكمتها، وقراراتها، ودفعها الى الخوف منه واخفاء الأمور عنه لئلا يثور ويحاكم ويطلق الأحكام المدانة دائما وابدا.؟ هل اسلوبهم هذا ساهم بشكل كبير بضياع ابنهم. ان ذكاءه الجهنمي وظف هذا التناقض وهذه الاستراتيجية المضادة بين الطرفين لمصلحته ليتركهم يعاقبون بعضهم بعضا على اخطائه هو.!
    فوالده ينفث عن غضبه وغيظه في والدته، وهي لا ترى مدى ما يقودها هذا الابن من تنازلات في محاولاتها لتخفيف وطأة تصرفاته، وتبريرها، وايجاد الاعذار لها عند والده.. !!
    تكره ضعفها امامه، وهي ترى محاولاتها بالتماسك والحزم تتلاشى مع قدرته الدفاعية الخارقة. كان أكبر من عمره، بتفكيره، بشخصيته، برغبته بامتلاك مصيره، والتحرر من السلطة الأبوية، وتقرير ما يفرضه الاندفاع المراهقي عليه، وتخيل نفسه قد ملك الزمام وأصبح اكبر وأوعى وأعلم من والديه، فكلما ارادت أن تعرف مع من يخرج ومن هم أصدقاؤه واين يذهبون، رد عليها بصراخ وعينين تكاد تخرج من محجريهما:
    مالك و اسماء اصدقائي انهم رجال.. لا لن اخبرك مع من اخرج والى اين، لا دخل لك..!
    اويهددها بقوة وصفاقة.. لا تحاولي ابدا ان تسألي اصدقائي اوتكلميهم.. الا تخجلين..؟؟ هل تريدين قهري امام اصدقائي..؟؟ من جهة اخرى.. كانت تصدم بقوة نقده وملاحظته ومحاكمة اخوته الآخرين، لديه حساسية مفرطة في التقاط الأشياء ومحاسبتها:
    لماذا تركت الفتاتين تخرجان بهذه الملابس..؟؟
    هذه آخر مرة اراهما في المول مع بنات خالهما وحدهم مع الخادمة.
    ما هذا كل يوم والثاني اراك وبناتك في السوق.. ما هي القصة..؟؟ والله ان رأيتهما ثانية..
    كانت على حافة الجنون من كمية التناقضات التي يمكن ان توجد لشخص عجيب يؤمن بأنه على صواب، ويجد تفصيلات مقنعة وردود متمكنة تخرس أي متشكك يمكن أن يتجادل معه.

    الثاني عشر
    الصراع

    كانت سارة تحس ان مهمتها التي استحقت عليها الترقية قد بدأت للتو، ولن تخذل سلطان وقد اعطاها الثقة وستكون عند حسن ظنه. وبدأت بحماس مفاجئ كأنها تخاف ان تشغلها حياتها المقبلة عن تحقيق طموحها وتنفيذ ما تريد. هل الثقة الزائدة التي منحها اياها سلطان للعمل بلا قيود ام حماسها المتدفق، واخلاصها الشديد للعمل كان وراء الدعوة الجادة لقيادة مسلسل التغيير في المؤسسة ومكافحة الفساد.. !! أم انها صدقت الشعارات التي يطرحها سلطان في كل مناسبة وتمتلئ بها ملفاتهم عن ضرورة التطهير وتصحيح الأوضاع وخلق قاعدة انتاجية متطورة.؟؟ انها آمنت به، فهل ستشك في مقولاته..؟؟ بالطبع لا. فمنذ دراستها بالجامعة وهي تصدق بأن هدف هذه المؤسسة ورئيسها هو النماء وصنع مجتمع افضل والتكاتف للقضاء على السلبيات والطفيليات السامة واستغلال النفوذ لحصد المنافع وتعطيل عملية التقدم.
    لذلك سعت بقوة وحماس لتطوير القسم وبمطالبات ملحوظة في تقاريرها لتطويرالمؤسسة ككل، والى التخلص من الزوائد الوظيفية المهلهلة التي تشيع الفوضى في الأقسام، وتؤدي الى الاتكالية من جهة، وتكريس التسيب والفوضى من جهة اخرى. وخصوصا الأيدي العاملة غير المنتجة التي يجري توظيفها بدون الحاجة الفعلية لها، والنتيجة وجود موظفين بلا وظيفة، واسماء في سجل الموظفين بدون حضور، ومحسوبين على جهة العمل بدون انتاج. ربما كانت ماهية كلمة انتاج غريبة على هذه المنشأة المتضخمة التي تتشابك فيها الخيوط وتتقاطع، وتضيع المهام والاجراءات الوظيفية ويختلط الحابل بالنابل.
    وقد اثارت في الكثير من المرات التي تسنى لها الاجتماع مع المسئولين حسب طلبها، ذلك التسيب المتهور في صرف الميزانية بدون توخي الدقة في معرفة الجهات المستفيدة من شراء المواد والأجهزة المخبرية، وضعف وان لم يكن فقدان بند الصيانة الذي عنى المزيد من الاستهلاك اللامسئول، والتعامل مع الطلبيات بدون تمحيص وبحث.. !! وقد اشارت في مرات كثيرة بأسلوب صريح الى سوء استخدام السلطة الذي يؤدي لتعطيل العمل في الادارات الأخرى، وعدم الاستفادة من الطاقات الموجودة، وعدم وجود نظام المحاسبة وتوزيع العمل وتنظيمه، وتأهيل الموظفين بمنحهم مسئوليات محددة منوطين بها، ودعت الى مراقبة بند المصروفات وعمليات الشراء لمواد واجهزة يكون مكانها المخازن والأهمال والتبديد، وأشارت الى ضعف عمل المعامل وعدم تشغيلها الا بربع طاقتها وعدم وجود الخطط الواضحة لها والتي يجب تحديدها على الأقل لسنة قادمة ان لم يكن لسنتين وأكثر.
    ولم تكن تعلم بأن كلامها ينقل ولكن ليس من باب انها قالته لأجل النقد البناء، وحرصا على المصلحة العامة، بل من باب الطعن في رؤسائها والسخرية منهم واثارة البلبلة، والتقليل من شأنهم والتدخل في عمل غيرها. كان ذلك اكثر مما يتحمله البيرقراطيون وتحديا مباشرا لسلطتهم امام الآخرين. وكان بابا انفتح امام من كرهوا نشاطها، وحماسها ونجاحها ليثيروا المسئولين عليها ويتهمونها بالتحريض على العدوانية، والسعي للتخلص من اداراتهم وازاحتهم من مواقعهم.. ! وكان دافعا قويا لمن تأججت نيران الحسد الضارية بصدورهم ليألبوا عليها الآخرين، ويحولوا اخلاصها للمؤسسة الى نية لتخريبها وتقويضها.. !!
    كان يجب ان توقف حربها الصارمة والمندفعة والمتهورة التي لا تنظر للعواقب، ولا تقيم وزنا للنفوس المتحفزة المشحونة ضدها، وتقف عند نقطة ما، وتتراجع قليلا فقليلا لانها تجاوزت الاشارات الحمراء بمراحل..!!
    ولكنها لم تدرك الوضع المتأزم ولم تهتم له، ولم تزيدها حرب الحاقدين الا اصرارا وتحديا اكثر على كسر معاقلهم وتهشيم معسكر فسادهم، وفضح انتهاكاتهم المالية والادارية الواضحة التي لا تحتاج الى بحث اوتنقيب، والى تعرية الأشياء وتسميتها بأسمائها.
    ولما لم تكن من النوع الذي يجلس على مائدة المفاوضات، وتحتقر لعبة المساومات، ولما كانت رأس عنيد مملوء بمبادىء غير قابلة للتسويات، وليست مستعدة لتقبل حجج مراعاة الأوضاع والظروف.. فكان لا بد من ازاحتها عن مكان العمل.
    كانوا يبحثون عن نقطة ضعفها.. !! كرهوا هذه القوة التي تنبعث منها، هذا التماسك العجيب، وهذه المثالية الفجة، وهذا الاخلاص الذي يصفعهم ويكشف تكالبهم وذلهم، وانصياعهم، وضحالتهم وعفونة نفوسهم ودنسها.
    كانوا قبل وجودها بينهم يتكلمون بثقة ووقاحة وصدارة عن النزاهة والتفاني والنقاء، ولا يصح الا الصحيح دون ان يعريهم اويكشف تناقضاتهم واكاذيبهم أحد. كانوا يصدقون انفسهم، وفي تصالح ذاتي معها، و لا يشعرون بأنهم يفسدون، ويدمرون، ويضربون بعرض الحائط بقيمة المسئولية الملقاة على ظهورهم، لا يدركون حجم الواجب المنوط بهم، والرسالة المبعوثين لتأديتها. يسيرون على وتيرة تخدمهم ،وترضيهم، وتطمئنهم بأنهم الأصلح والأفضل والأتقى، ثم تأتي هي لتكشف المستور والغطاء عن حقيقتهم القبيحة، لتتغير الصورة وتهتز وتظهر لهم مدى حقارتهم وفشلهم وكسلهم، مدى نفاقهم وزيفهم وتواطئهم على الصالح العام.
    كان لابد لهم من ايقافها و اخراسها، فلم يعودوا يطيقون احكامها التي نغصت عليهم الحياة الرغدة الوثيرة، والاستقرار الناعم الذي يرفلون بين احضانه. انها مخربة وباعثة على الفتنة، ولا بد ان لها اهدافا تخريبية باتت غير خافية على أحد، هكذا كانت عيونهم تتأجج بالمقت والحنق، يتحينون ساعة القضاء عليها، وتحطيم صورتها وتهشيمها الى آلاف القطع، لعلها تشفي غليلهم المتنامي بقدر صفائها وحماسها وجديتها واصرارها.. !
    فوجئت يوما بزيارة غير متوقعة لأحد اقطاب المؤسسة، من الذين تم استبعادهم منها منذ فترة، لتغير ميزان المصالح فيها، ويشغل الآن وظيفة كبرى في قطاع آخر، المهندس علي عبدالرحمن.
    على الرغم من تعليمه العالي ومسئولياته الكبيرة في المؤسسة، الا انه قد وظف هذه المؤهلات لحصد المزيد من المكاسب الشخصية والمهنية ليرضي طموحه وتطلعاته الوظيفية النهمة للسلطة والمركز والمال.
    شعرت باطراء لأول وهلة ان تخصها شخصية وظيفية بهذا الحجم بزيارة الى قسمها المتواضع بالمؤسسة، وشعرت بتميزها المهني وبنوع من الفخر بالذات. لم يضيع علي عبدالرحمن وقته عندما دخل بموضوعه بحماس مشحون بالانفعال المضطرب :
    لا بد انك سمعتي بوجود خلافات في الوزارة..؟؟
    وعندما كشفت عينا سارة المنزعجتان اللتان لا تدركان ما يرمي اليه الضيف المهم جهلها بالموضوع، انبرى يقول بضيق اكبر :
    هناك مخالفات ادارية ومالية واضحة في المؤسسة وتمت الموافقة عليها من الوزير نفسه..!! اقصد اصحاب القرار داخله.!! هل تعرفين ان شركتين من الشركات الأجنبية التي تم التعاقد معها لتوريد بعض المواد والمعدات وهمية..؟؟ وان بعض كبار المسئولين في المؤسسة حصلوا على امتيازات ومكافآت وامتيازات خاصة بدون مبرر..؟؟ وان هناك بعض الشركات التي تم التعاقد معها بمناقصات مكشوقة واخرى من الباطن.. كل ذلك هنا امامك بالأدلة والأوراق الرسمية التي تثبت صحة ادعاءاتي.. !!
    وبصورة عصبية محمومة أخذ علي عبدالرحمن يعرض اوراقه عليها بينما يلتفت الفينة تلو الأخرى خشية أن يراه أحد الموظفين متلبسا بالجرم المشهود.. !!
    تخبطت الأفكار بذهن سارة، لم يخصها هذا الشخص المتنفذ بهذه المعلومات والوثائق السرية..؟؟ لم يحرضها بصورة خفية للقيام بفعل ما..؟؟ وماذا يتوقع لن تفعل..؟؟ ولم هي بالذات..؟؟ ألا يمكن أن تكون زيارته فخا لها لدفعها للوقوع بحماقة ما، والاحتكاك بمراكز القوى بالمؤسسة، والتصادم معهم بعدما توتر الوضع بينها وبينهم في الفترة الأخيرة بحيث يوجدون مبررا لايقافها وفرملتها، بعد ان اصبح تدقيقها في المسائل الادارية جديا اكثر من اللازم، واسلوبها في فرض اللوائح والتقيد بالضوابط يحرج زملاءها الآخرين الذين ينتفعون بصور متعددة من الأوضاع المتسيبة ويروجون لمصالحهم وامورهم الشخصية. أو أنها قد تكون مجرد أداة لتصفية الخلاف بين الكبار، وقد تم اختيارها بذكاء فمن السهل استدراجها لتقود الحرب بدلا عن آخرين يستفيدون بالمؤكد من ورائها..!!
    قد يكون كل ذلك ولكنها امام حقيقة مرعبة تتعلق بفساد الضمائر والذمم لا يمكنها تجاهلها، وغض الطرف عنها والقول.. ومالي أنا..؟؟ اوانني مجرد موظفة عادية وهذه امور خاصة بالكبار.. أو.. لم قصدتني بالذات.. ولم لا تتحرك أنت ومركزك اقوى ونفوذك اعظم. انها لا تستطيع التنصل مما سمعت، وما قرأت، وما انكشف امامها من وقائع واحداث.. لقد اصبحت مسؤولة امام ربها عنها.. ليس امام هذا الشخص اوغيره، ولكن امام الله وسيسألها يوم القيامة.. عندما رأيت المنكر.. ماذا كانت ردة فعلك..؟؟ هل تقول كنت ذكية حتى افر بنفسي، وأنأى عن المشاكل، وادعي انني لم أر اواسمع شيئا كالشيطان الأخرس..؟؟ أم تقول.. لقد فضحته يارب العالمين، وكشفت الستار عنه وحاربته بكل ما استطيع من قدرة ومعرفة..؟؟ انها لا تحترم هذا الشخص الانتهازي الخبيث الجالس امامها، الذي لم يلجأ اليها حبا في التطهير والاصلاح بقدر ما هو لأغراض خبيئة بنفس يعقوب، ولكن ذلك لا يغير من صحة هذه الوثائق وصدق محتوياتها.
    بنفس مصدومة ومقدمة على اجراءات خطيرة لملمت سارة الوثائق، بينما انسل علي عبدالرحمن كثعبان سام من مكانه وقد انهى مهمته، ورأت سارة ابتسامة خبيثة ترتسم على محياه، وهو يسرع بالخروج لئلا يراه احد الموظفين ويتساءل عن سبب زيارته المفاجئة.

    الفصل الثالث عشر
    الطوفان

    بدأ مشوار سارة الصعب نحو اعلان الحرب الكبرى.. لم تكلم هذه المرة احدا من المؤسسة، وعلى الرغم من عدم وجود ما يشير الى الوزير وليس هناك أية تواقيع له على هذه الأوراق ولكن أكبر الرؤوس متورطة فيها ولا يمكنها أن تجازف وتحدث احدا بالموضوع وهي لا تعرف من معها ومن ضدها، انها لا يمكن أن تثق بأحد في هذه المرحلة.. فحاميها حراميها.. !
    اتصلت بمكتب المدعي العام وقدمت بلاغا ضد الوزارة بتهمة التلاعب بالمال العام وسلمت كل الوثائق بحوزتها للتحقيق بما جاء بها، على أمل أن تظهر الحقيقة ويتبين الحق من الباطل.. !!
    لم ينظروا الى سارة بأنها قامت بواجبها الذي يمليه عليها دينها وضميرها الاخلاقي، بل اعتبروه هدما وتحريضا من جهة، وتجاوزا اداريا من جهة اخرى.. وقامت القيامة عليها تريد اجتثاثها من جذورها.. !!
    لن يتركوها تقضي على اساس وجودهم الذي يتنفسونه ولا يعرفون غيره لتصريف امورهم وادارة اعمالهم، ولا بد ان يسعوا بما اوتوا من تدبير ونفوذ واساليب وطرق لايقاف التحقيق وافساده وابطاله من الأساس لانه ينال اكبر الرؤوس في المنشأة، ويهدد امتيازاتها التي تعتبر عرفا لهم و حقا مكتسبا لا لبس فيه، ولا يتفقون معها بأنه نهب للمال العام واستغلال السلطة وتزوير بالأوراق الرسمية بعدما استحال المال العام جزءا من ميزانياتهم، واصبح حقا مكتسبا بوضع اليد..!!
    انه كاختلاف الثقافات بين الشعوب، فبينما تسير القبائل الافريقية شبه عارية، ولا تحس بالخجل من عريها الفاضح، فان شعوبا أخرى تنظر له بازدراء وتعاقب من يتجرأ من مواطنيها على خدش الشعور العام بهذا التصرف، المستهتر المنحرف.. !! وكل يدافع عن معتقداته بالمفاهيم التي تربى عليها والمقومات التي يعتنقها وشتان ما بين الجنة والنار.. !!
    لذلك تحركت النفوس الموتورة التي كانت تتحين الفرصة لنهشها وتهشيمها منذ البداية، وتتصيد الموقف المناسب لذلك، بينما بدأت الأدمغة الخبيثة تخطط للرد على اتهاماتها وسحب البساط تحت رجليها، ورد السحر على الساحر.
    كان صباحا مبكرا عندما دخل مكتبها احد المديرين المسئولين في الجهاز التنفيذي، من الذين لا يخفون كراهيتهم لها أو شماتتهم فيها، ويتحينون الوقت لتصفية حساباتهم، ورد الصاع صاعين لمن يتجرأ على المساس بمكتسباتهم التي لا يفهمون سوى انها حقهم الشرعي، ومن لا يعجبه عليه بماء البحر والخرس افضل..!!
    ولكنه جاء هذه المره ليعرض عليها منصبا تنفيذيا كبيرا. ان سارة تخلط كثيرا بين شعورها نحو سلطان وبين كينونة سلطان نفسه ، بمعنى.. ان ما يحدث من تجاوزات في الوزارة لا يحدث بعيدا عن وعي سلطان وموافقته وعلمه، ولكنها بسذاجة المحب، وعدم تصديقه او عدم رغبته بالتصديق، وضعت في اعتبارها واستيعابها بأنه ما أن يعرف بما يحدث فلن يرضى وسوف يقوم بالتحقيق الفوري وايقاف عمليات التلاعب واحباطها. انها تسقط عليه رغباتها وامنياتها، وليس بالضرورة انها صحيحة، او تمت للصحة بصلة، ولكنها كانت غارقة في التحيز له، وفصله عن ما يجري حوله.
    وعندما قام هذا المسئول الذي تشم انتهازيته من بعد أمتار، ولا يملك أي مصداقية بعرض هذا المنصب لم يخطر ببالها الا شيء واحد.. انه جاء من قبل سلطان لكي تبدأ عملية التطهير، واجتثاث الفساد، ووضع ركائز البناء والتطوير. يا لهذا السلطان الذي سيطر على تفكيرها وشوش على تعاطيها واكتشافها للأمور..!!
    بالطبع ابتسمت ورحبت بالمنصب واعتبرته وسام تقدير لها وايضا مسئولية جسيمة تدعو الله أن تكون على قدرها.
    وبكل بساطة وبكل ثقة طلب منها سحب التقرير، لانه تم تسريبه بطرق غير مشروعة، كما ان الوزارة كذبت كل ما جاء به و تجري المباحثات لوقف التحقيق الذي يجريه مكتب الادعاء العام.
    ليس هناك ما هو أكثر مرارة من القهر والغضب وخيبة الرجاء.. !!
    ليس هناك ما أدمر من الاحتقار والابتذال والانحطاط.. !!
    ها هو امامها من يقايضها بنزاهتها وذمتها، من يساومها بأسلوب رخيص، لا احساس به على بيع التزامها وكرامتها، من يعاملها على انها مجرد مرتزقة باحثة عن المركز والنجومية، وتحقيق اكبر المصالح بادعاء الأمانة والشرف.. !! يقول لها بعرضه الحقير.. انها مجرد موظفة تبحث عن ارخص الوسائل للتسلق، ولوادعت الاخلاص فقط لتجني المزيد من المكاسب.. !! وانه يمكن شراؤها وضمها الى جوقة المداحين واللصوص والأفاكين، وبامكانها ارتداء مسوح الاصلاح والتشدق بعبارات التطهير مثلهم، وكل شيء ممكن ومباح وجائز ومعروض للبيع في سوق النخاسة والفساد.. !!
    اتسعت حدقتا عينيها غير مصدقة ما تسمع، غير متوقعة ان تكون ردة فعل الوزارة على ما يحدث فيها من فساد هذا الأسلوب الرخيص. هل هذا تقييمهم للموقف..؟؟ اسكات مثيريه وشراؤهم وجرهم للجوقة، واجراء عملية غسيل مخ للنزهاء لتلطيخهم، ولاسعاد العصابات الفوضوية واغراقهم اكثر في مستنقع الفساد..؟؟
    كانت الابتسامة اللزجة تسيل من فم الجالس قبالتها وقد احست بنظراته المملوءة بالاحتقار كأنه يقول لها : ها.. انك تدعين النزاهة والضرب على المفسدين لانك لم تحظي بقطعة من الكيكة، وها نحن نسد فمك بقطعة منها..
    احست بالاهانة وبدأ العرق يتصبب منها.. الهذه الدرجة ينظرون الى مبادىء الناس كأنها جيف مهترئة نتنة بلا قيمة..!!
    غضبت وانفعلت وصرخت كأنها تبيع الموقف كله، فلديها قد وصلت الأمور للحضيض..!!
    اسمع.. خذ منصبك وبله واشرب ماءه.. !! من تظنني واحدة من شلة الفساد التي تنتمي لها..!! وليكن في علمك انني ارفض سحب التحقيق، وأصر عليه، واضيف هذه الواقعة اليه، واتحداك أن تنكرها..!!
    شحب وجهه وتغير، وقال وهو ينهض متوعدا :
    انني سأنكر انني قلت لك شيئا من هذا القبيل ، هذا اولا وثانيا اعتبري نفسك موقوفة عن العمل بتهمة تسريب معلومات سرية دون اذن رؤسائك. ونحن سنوقف التحقيق بهذا الموضوع بوسائلنا الخاصة، وستتعرضين أنت للمساءلة والتحقيق لاقدامك على القذف والتشهير واتهام المسئولين بالباطل.
    غلى الدم في عروقها، توترت وحنقت، واحست بالقرف والرغبة بالتقيأ..!!
    وعندما لجأت لسالم تبحث لديه العزاء والتفهم لم تتوقع سارة ان تكون ردة فعله بهذه الصورة. كانت متوترة، غاضبة، مجروحة وكانت تبحث لديه الأمان والحنان، فاذا به زوبعة اخرى لا تقل حدة عن ضيفها الموتور.
    وما لك وهذه الأمور اصلا من البداية، انك موظفة مثلك مثل بقية الموظفين وهاهم قانعون سائرون في دربهم، لم تتدخلين في ما لا يعنيك.
    ماذا تقول يا سالم.؟؟ لا مساومة على هذه الأمور.
    وزاد سالم بعصبية : ولم لم تخبريني بكل ذلك قبل أن يستفحل الموضوع ويصل الى هذا المدى، اليس من حقي ان اكون في الصورة. ؟
    هذا ليس موضوعاً شخصياً لأضعك في الصورة انه عملي وضميري و قيمي ولا مجال للمساومة عليهم من اي جهة.
    رد عليها بحدة جارحة :
    - لكن مصلحتنا واحدة..؟؟ هل تعتقدين انني لن اتأثر بما تفعلين.. في عملك..؟؟ والا تظنين بأنه من صميم عملي ايضا؟؟ اليست لشركتي مصالح مع المؤسسة و ألا تعتقدين بأنه سيطالني العقاب أنا ايضا و سأدفع الثمن معك.؟


    وللأحداث بقية

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 12:54 pm